14‏/06‏/2020

أمي والعيد




رابط الموضوع في صحيفة الرأي الإلكترونية..


https://alraynews.net/articles/6507174.htm



في كل عام كانت أمي تعد للعيد قبل أن يحط رحاله الزاهية في زوايا القلوب والأمكنة كانت أمي تخط عنوانه الباذخ بالجمال أرقا يبدو في عينيها .. نراه نحن تعبا وتراه هي أمومة وحب و فرح .
هذا العام يأتي العيد وقد استبدل جلبابه الفضفاض الموشح بالفرح بجلباب آخر لا يشبهه مطرز بكثير من شوق وحنين لِما كان في سالف الزمان ويخالطه خوف وقلق لما سيكون ..

أمي تسأل عن غياب الأحبة : أين هم ؟
تسأل عن مظاهر العيد واستعدادات العيد وتختنق الحروف وتموت الإجابة أعدك يا أمي لن يكون العيد بلا ألوان ولا ورود ولا ابتسامات ولا لُعَبْ أطفال .. أعدك يا أمي أن نتناسى وجع الفراق ونبتسم كما كنا وكنتِ ..
سنجعل دموع الفرح الموسمية وأصوات المهنئين حتى وإن كانت تعبر الأثير تقصر بها المسافات وتختزل ألم الفراق بوشوشة حنونة في آذاننا...
العيد يا أمي يأتي في ظرف إستثنائي ويقيننا يا أمي يقوى، وعزيمتنا تشتد، وآمالنا تتمدد أن نلتقي ونفرح ونسعد ولو بعد حين.

لم نحرم يا أمي الدعاء ولم نحرم من جنة البيوت الأنيقة بمن فيها من آباء وأخوة وابناء وبنات.
ولم نحرم يا أمي الأماني تنبت في قلوبنا وتكبر السعادة نحن من يصنعها يا أمي.
لا تغلبك الدموع يا أمي ابتسمي كما كنت تبتسمين ودموع الفرح بلقاء الأحبة تترقرق في مقلتيك فلا زلنا نسير بأرواحنا أحياء وتسبقنا قلوبنا لعناقهم، ابتسمي يا أمي ودعيني أشم رائحة الحنا في كفك فأزداد عشقا لكل ماض يقربني إليك فالعيد أن أسمع صوتك ولسانك العذب يبتهل بالدعاء، صباح العيد يا أمي سنلتقي دعاء وتهاني .. سنلتقي فرحا ... سنلتقي وقد صنعنا ذكريات لا تنسى .. سنلتقي ونحكي للصغار كيف تجاوزنا الخوف واحتفينا بالزائر السنوي عمقا وروحا وتقاسمنا الفرح به مع القريب والبعيد سنحتفي بالعيد يا أمي وقد أتممنا الصيام بروحانية عجيبة طال فيها الفراغ وزادت فيها العبادات

سنحتفي ونحن نتحلق حولك كما كنا صغارا تبهرنا الحكايا وتبهجنا الحلوى لا تحزني يا أمي وإن غاب البعض بالجسد فهو يقيم في القلب لا يغيب، العيد يا أمي أن يجمعنا قلبك الحنون كالوطن حين ضحى بالنفيس اليوم لنجتمع غدا ..
سنكون بخير يأمي سنكون بخير .. كل عام والأحبة بخير ..

كُنْ سُكّرًا



رابط الموضوع في صحيفة الرأي الإلكترونية..



في جنوب أفريقيا مثل يقول :
( لا تطلب من الملح أن يكون سكرًا )
بالتأكيد الأمر ليس موجها للملح بقدر ماهو تنبيه لك أنت ولها وله ولنا جميعا، أن لا نطلب بتغيير الطباع والسلوكيات في غمضة عين..!
فالمثل العربي عندنا يقول :
( الطبع يغلب التطبع )
قد يتبادر إلى أذهاننا أنه مهما حاول شخص ما أن يغير طباعه فلن يستطيع، فطبعه الأصل يغلب تطبعه المكتسب !
نعم ليس بالأمر الهين أن يغير الإنسان طباعه وسلوكه بالسرعة التي نتوقعها منه، ولكنه ليس مستحيلا ..
أنت إنسان طيب جدا ولطيف جدا ليس سهلا أن نجدك بين عشية وضحاها وقد أصبحت شخصا آخر سليطا وعنيفا..!!

هذا لا يعني أن لا إمكانية للتغير بل هو وارد جدا ولكن ليس سهلا، ولعل الصدمات أحيانا تكون سببا في تغيير الطباع، ونرى ذلك واضحا في سحب الثقة من الآخرين حين يُقْدم أحدهم على خداعك بعد ثقتك المطلقة به..
أيضا تلحظ ذلك في تربية الوالدين للطفل على التدليل المبالغ فيه وبمجرد خروجه للمجتمع المحيط كالمدرسة مثلا يواجه صعوبات جمّة في التأقلم مع الوضع الطبيعي، ويكون سلوكه مغايرا لما يجب أن يكون عليه كما هي الحال مع أقرانه، وهنا تبدأ معاناة الوالدين في محاولة تغيير الطباع فيصعب عليهم إقناعه بتغييرها مما قد يؤدي به أمراض نفسية مزمنة للازدواجية في واقعه..

لا تفرط في مسألة التعود أو التعويد على طبع معين يصعب عليك التخلص منه، فالعصبي يظل عصبيا والعاقل سيظل عاقلا مالم يأتيه ما يخرجه من فلك عقله ودائرة اتزانه.. وهذا يسمى تغيير تحت الضغط أو التغيير الإجباري وهو تغير بلا قناعة، كأن تضطر إلى مسايرة أحدهم بلا وعي ولا إدراك فقط للتخلص من الضغوط أو لعدم القدرة على المواجهة والتغير، هذا غالبا يكون مؤقتا لا تلبث أن تعود إلى طبعك الأساسي فالطبع يغلب التطبع ( للمستسلمين من الحمقى فقط ) بينما أصحاب الإرادة القوية والقابلين للتغير الإيجابي بإمكانهم إحداث التغيير للأجمل.
وقد يطرق عقلك عدة تساؤلات عن طباعك وطباع غيرك كأن تسأل نفسك كيف يمكن التعايش مع شخص عصبي 
أو أحمق أو حتى بخيل ؟
وهل يمكن للآخر أن يتقبلني لو كانت هذه طباعي ؟!
و هل يجب علينا الاستسلام لطباعنا السيئة؟
أفلا نجاهد أنفسنا لاستبدالها بالأجمل ؟
الآخر ليس ملزما بتقبلك وقبول طباعك السيئة فلا تغضب منه وفتش في نفسك لعلك تجد الخلل فتسده
وجاهد نفسك أيضا وبقوة لتبدو أمام الآخر بصورة جميلة!!

إذْن كُنّ سُكّراً
وهذا ما حث عليه ديننا الحنيف فحسن الخلق هو النبع المتدفق سلوكا حسنا وطباعا أنيقة .

مآثر ومثالب ..!






رابط الموضوع في صحيفة الرأي الإلكترونية.


حين يتناهى إلى سمعك أن أحدهم مات، أو رحل عن الديار، أو تقاعد من عمله، تبدأ ذاكرتك تستعيد ما كنت تعرفه عن هذا الشخص فتقلب الصفحات تبتسم وأنت ترى مآثره ومعالم بصماته الخيرّة قولا وعملا..

وتتألم لآخر لم يهتم لعثراته وسقطاته متعمدة أو عفوية، فصنع لنفسه سيرة فقيرة من المآثر !
لا شك أننا جميعنا سنكون هذا الشخص يوما ما إما بموت، أو رحيل، أو تقاعد، وهنا يأتي السؤال العميق للنفس ( ماذا قدمتِ؟ ) لتحضر الإجابة المخدِّرة تخديرا موضعيا للضمير ( قدمت وخدمت وعملت )..
وتبدأ النفس الأمارة بالسوء في رفع سقف المآثر والأثر الحسن، والتقليل من شأن المثالب والعيوب خشية اللوم والتقريع!!

الأثر ليس بالضرورة أن يكون حسنا دائما وهذا مؤسف جدا، إذ يمكن أن يكون أثرا بشعا كالندبات في وجه صبية حسناء، وقد يكون جارحا أو مدمرا أو قاتلا..
فكما يفخر مهندس بناطحة سحاب أصلها في الأرض ورأسها يعانق السماء هناك آخر طوى الأمانة بين ثنيات النقود فعبث بأساسات بناء خرِب رغم حداثته فانهار وتحول أنقاضا على رؤوس ساكنيه!!
أيضا كما يكون للمعلم الجهبذ أثر حسن يبدو جليا في جيل متعلم ومبدع، هناك معلم آخر دمّر الطالب بقسوته ونرجسيته وعقده فترك بصمة مشوهة المعالم في نفوس الطلبة!!
وقد لا يكتفي بذلك فيمتد أذاه إلى التحطيم والتقليل من شأنهم والتسبب في تركهم مقاعد الدراسة وضياع مستقبلهم..

والأثر أيّا كان نوعه لا يرتبط بجنس أو جنسية معينة ولا حتى بمكانة اجتماعية..
فكم من عامل نظافة أثره الحسن واضح وبيّن وهو يمارس دوره الوظيفي بكل إخلاص فلا وظيفته تحول أن يكون شخصا مثاليا متعلما أو حتى ( إنسانيا )..
بينما قد يكون مديرًا أو حتى شخصًا مرموقًا ولكنها مكانة ورقية على النقيض منه تماما !
فتراه متغطرسًا سليطا أثره السيء مطبوعًا بوضوح على قلوب مرؤوسيه..
وهناك حطاب قلبه أقسى من فأسه حين يغرسها في شجرة تمدّ الأرض بالأكسجين ويطبع أثر فأسه على ماتبقى شاهدا على جهله!!
وهناك دكتور آثر الغنى المادي على غنى النفس ومسح أثرًا كان يمكن أن يكون علامة إنسانية تجمل خلقه كجمال مهنته..!!

وليس هناك أسوأ من شخص تتحاشى البقاء معه أو الالتقاء به خشية لسانه وسوء طباعه!!

الرحيل لا يستأذنك بالقدوم لكي تستعد له فقد يباغتك على حين غرة ويطوي صفحاتك التي دوّن فيها الكثير إما بمداد من دعاء لك، أو بعبارة ( اذكروا محاسن موتاكم ) المآثر والمثالب ضدان لا يجتمعان أبدا وأنت من يختار الرداء ليتدثر به إما يزيدك جمالًا ووقارًا، وإما يحفر في قلوب الآخرين ذكريات عنك بشعة لا تنسى.


02‏/05‏/2020

الجيش الأبيض!


رابط الموضوع في صحيفة الرأي الإلكترونية..



في الحروب تحاصر المدن، وتدكُّ الحصون، ويعلو صوت المدافع وأزيز الرصاص، فيكفَخ الطير ويجفّ الزرع ويدبّ الخوف..!
و الناس إن لم يُقتلوا فهم إما محاصرون حدّ الهلاك، أو مشردون تائهون في الأرض، وحينها يبرز دور الجيش ذو العدة والعتاد ورجاله الأشاوس، ويعلق الناس آمالهم بعد الله على قوته وشدة بأسه وقدرته على حفظ وتمكين الحدود وبسط الأمن في ربوع البلاد هذا ماعهدناه في حال الحروب التقليدية بين جيوش الدول المتحاربة، ولكن كيف يكون الحال وخصمك غامض وغير مرئي؟!
إذْ حين يهاجمك عدوا قاتلا لا يبقي ولا يذر، يقتحم البلاد تلو البلاد، يجتاز الحدود ويعبر البحار فيقلب أوضاع دول عظمى فيكسد اقتصادها، وتُهْجر مطاراتها، وتتعطل مصالحها، يحتار فيه العالِم والخبير، وتنهار أمامه قدرات أعتى الجيوش حين يسيطر على رؤسائها قبل مرؤوسيها، تبوء خطط عساكرها أمام سطوته بالفشل الذريع! ليتقدم أفراد الجيش الأبيض الصفوف، يقفون في وجه هذا العدو بكل اقتدار، ميادين قتالهم المستشفيات، وعدتهم الثقة بالله والتوكل عليه أولا، وحب المهنة والولاء لها ثانيا، وإنسانيتهم ثالثا ورابعا وعاشرا.
نعم إنهم أبطال "الصحة" هم العنوان الأجمل والأجدر لهذه المرحلة الحساسة، هم من يستحقون الثقة والإشادة والثناء فقد أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم القادة البارعون في حرب عدوهم العابر للقارات الذي يقصف المدن بلا رصاص وبلا رحمة، فاستطاعوا بتوفيق من الله التصدي له ووقف انتشاره مقدمين أرواحهم قبل فترات راحتهم.
تركوا العالم يتفرج ويحصي ويخاف ويأمل وتفرغوا هم للميدان حتى وهم يشاهدون زملاء لهم يتساقطون مصابين!!
حتى وهم يتركون خلفهم أسر وأحبة يخافون عليهم! حتى وهم على يقين أنهم عرضة للعدوى!
حتى وهم يبصرون مشاهد الخوف والألم في عيون مرضاهم فتتقطع لها نياط قلوبهم!
حتى وهم يدركون أن دخول المستشفيات بوضعها الحالي لا يقل خطورة عن أرض معركة القصف فيها عشوائي، فلا يزيدهم ذلك إلا إصرارًا وعزيمة على مواصلة حربهم ليتحرر العالم بأسره من هجوم فايروس كورونا وتنعم البشرية جمعاء بالصحة والعافية..
الجيش الأبيض أبطال الصحة واجب علينا الاحتفاء بكم وحقٌ لكم أن نقدر تضحياتكم دمتم لآلئ تزهو بها تيجان الفخر والاعتزاز
.


أسرى العادات

رابط الموضوع في صحيفة الرأي الإلكترونية..


لو قُدّر لنا أن نحصر العادات السيئة في المجتمع فلن نتفق على أغلبها، فحين أرى أنا أن هذه عادة سيئة قد تختلف معي أنت فتراها عادية!
وهذه مكابرة إذ أن كل عادة تؤدي إلى سوء فهي سيئة بلا شك..
العادات السيئة للأفراد تهدم قيم أي مجتمع مهما حرص قادته على التوجيه والإرشاد، فممارسة العادات السيئة علنا وأمام الناشئة مدعاة للتقليد والمحاكاة، وبالتالي تأصيل هذه العادات وترسيخها في ثقافتهم وانسحابها على النظرة العامة للمجتمع لا سيما أثناء فترات الحروب والتراشق الإعلامي بين الفرقاء ..
ليس هناك مجتمع يخلو من العادات السيئة ففي كل مجتمع أفراد يمارسونها حتى وإن كان مجتمعا صالحا متدينا فلكلّ قاعدة شواذ، ومن الإجحاف أن نطبع على مجتمع بعينه أنه سيء حين يأتي بعض أفراده بسلوكيات غير مقبولة، ولا يمكن أيضا أن نمنح مجتمع آخر صك براءة من السوء حين لا يبدو لنا منه إلا الوجه الآخر كتقدمه العلمي أو تطوره المدني وجودة بنيته التحتية، فقد يكون له وجه آخر يمارس في الخفاء لا يعلمه إلا أهله..!
العادات السيئة الفردية حين تسيطر على عقل أحدنا فإنه يصبح أسيرًا لها تكبله أينما حل أو ارتحل، ومن الممكن جدا أن يغير من طباعه لتتماشى مع عادته السيئة وليس بالسهل التخلص منها مالم يكن لديه قوة إرادة ورغبة في التغيير، وظرف استثنائي يسهم في علاجه كما هي الحال في رمضان والذي يعدّ فرصة سانحة للتخلص منها ونبذها وفكّ قيودها..
رمضان له خصوصية لا تكون في غيره حين نُلهَم فيه الصبر، ونُمنَح القدرة على التحمل، ويعزّز لدينا الكثير من القيم، لعل من أبرزها الرغبة في التحول من شخص عنيف أو سلبي أو مقصر أو غير سوي إلى إنسان سوي مسالم إيجابي ومبادر ..
رمضان للعاقل فرصة تُستثمَر، ففيه يمكن أن تكون شخصا آخر ومخالف عما عُهِد عنك، فإن كنت مدخنا تستطيع تركه، وإن كنت أسيرًا لجهازك تستطيع أن تستغني عنه، وإن كنت مدمنا على عادة قبيحة تستطيع أن تستبدلها بأخرى جميلة وما عليك سوى أن تستعين بالله ثم تستحضر نيتك على التغيير ..
إن ممارسة العادات السيئة دليل ضعف وخنوع واستسلام وقد تصنف أنها نوع من الإدمان، ويجب أن نبادر للتحرر منها واستبدالها بعادات أفضل وأجمل..
أسرى العادات أشخاص متقلبوا المزاج ومن السهل جدا أن تستفزهم وتثير حنقهم، فمن لا يستطيع أن يترك عادة تقيده فلا استطاعة لديه أن يضبط أعصابه ويكظم غيظه .

جميع الحقوق محفوظة © 2012 أ.جـواهـر محمد الخثلان